لماذا تتحول الزلازل إلى كوارث بشرية في بعض المناطق بينما تمر بسلام في أخرى؟ كيف يمكن لمباني أن تنهار كأوراق الشجر بينما تصمد أخرى أمام نفس الهزة الأرضية؟ وما هو الدور الحقيقي للإهمال وغياب الرقابة في تفاقم آثار الكوارث الطبيعية؟
1. الجناة الحقيقيون وراء كوارث الزلازل
عندما تضرب الزلازل مناطق مأهولة، يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: هل الزلزال هو القاتل الحقيقي أم أن هناك عوامل أخرى؟ تشير جميع الأدلة إلى أن الإهمال في البناء وغياب الرقابة هما السبب الرئيسي في تحول الهزات الأرضية إلى كوارث بشرية.
في زلزال إزميت التركي عام 1999، كان معدل الوفيات مرتفعًا بشكل غير متناسب بسبب انتشار المباني غير الآمنة. بينما في تشيلي التي تشهد زلازل أقوى، تكون الخسائر البشرية أقل بفضل معايير البناء الصارمة.
2. ثقافة الإهمال في قطاع البناء
أ. التهاون في تطبيق معايير السلامة
تكشف الدراسات أن العديد من المقاولين يتبعون سياسة "التوفير على حساب السلامة"، حيث يتم استخدام مواد رديئة أو تقليل كميات الحديد في الخرسانة. هذه الممارسات تتحول إلى قنابل موقوتة تنتظر هزة أرضية لتتفجر.
ب. التزوير في مستندات البناء
من الشائع في بعض الدول النامية تزوير شهادات جودة المواد أو حتى شهادات المهندسين المشرفين. في زلزال هاييتي 2010، تبين أن معظم المباني المنهارة كانت تحمل شهادات مزورة.
3. فشل أنظمة الرقابة الحكومية
تعاني العديد من الدول من أنظمة رقابية هشة تسمح بانتشار المباني غير الآمنة. المشكلة تكمن في:
- نقص الكوادر الفنية المؤهلة
- انتشار الفساد في أجهزة التفتيش
- ضعف العقوبات على المخالفين
في تركيا مثلاً، بعد زلزال 1999، تم الكشف عن آلاف المباني المخالفة التي حصلت على تراخيص بناء بشكل غير قانوني.
4. دروس من النماذج الناجحة في مواجهة الزلازل
تقدم اليابان نموذجًا ملهماً في التعامل مع الزلازل، حيث:
- تطبق أقسى معايير البناء المقاوم للزلازل
- تمتلك نظام رقابة مستقل وفعال
- تخضع جميع المباني لاختبارات محاكاة الزلازل
نتيجة لذلك، رغم تعرض اليابان لزلازل بقوة 7 درجات، نادرًا ما تسجل خسائر بشرية كبيرة.
5. الحلول العملية لتجنب كوارث المستقبل
لوقف نزيف الضحايا أثناء الزلازل، يجب اتخاذ إجراءات عاجلة تشمل:
- إعادة تقييم جميع المباني القائمة وتقويتها
- إنشاء هيئات رقابية مستقلة ذات صلاحيات واسعة
- تشديد العقوبات على المقاولين المخالفين
- توعية المواطنين بأهمية السلامة الإنشائية
تجربة كاليفورنيا تثبت أن هذه الإجراءات يمكن أن تقلل الخسائر بنسبة تصل إلى 90%.
6. مسؤولية الجميع: من الحكومة إلى المواطن
مواجهة كوارث الزلازل ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل تشكل مسؤولية مشتركة بين:
- الحكومات في وضع التشريعات وتطبيقها
- المقاولين في الالتزام بمعايير السلامة
- المواطنين في رفض السكن في مباني غير آمنة
- وسائل الإعلام في كشف المخالفات
فقط بهذا النهج الشامل يمكن تحويل الزلازل من كوارث إلى أحداث طبيعية تمر بسلام.